حقيقة ما كتبت عن هذا الموضوع إلا مرغماً , ولست أحب الخوض فيه على الرغم من أنه يمس واقعنا بشكل يومي , وعلى الرغم من المعارك التي نراها على صفحات النت أو على صفحات الجرائد فيما يتعلق بهذا الموضوع , والجدل البيزنطي الذي يدور في المجالس حينما يفتح أي نقاش حوله , إلا أنني سأقتحم هذا النقاش لأنني أجد بأن هناك بعد آخر في الموضوع , إما أنه غائب أو مغيب عن الكثيرين الذين غالباً لا ينتهي جدالهم بالاتفاق على شيء ..
هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..
ربما أثارني كما أثار الكثيرين الخبر الذي انتشر في الفترة الأخيرة من قيام بعض أفراد الهيئة بسحب المايك من أحد منشدي فرقة طيور الجنة أثناء إحدى الأناشيد التي أقيمت في مجمع الظهران , ومحاولتهم إلغاء إحدى الحفلات في المدينة المنورة , لست أدري حقيقة مالسبب الذي دعا الهيئة للقيام بمثل هذا التصرف , ولست أنوي الخوض ولا التكهن لمعرفة الدوافع التي قام بها رجل الهيئة , وإنما أريد أن أثير بعض التساؤلات حول حقيقة عمل الهيئة .. وعن دورها في المجتمع .. وعن مدى الدعم الذي تلقاه من وزارة الداخلية تحديداً ..!!!!
ربما أجد العذر للهيئة في انكارهم على (حفل فرقة طيور الجنة , والمعاني السامية التي يدعون لها) لو أنهم أنكروا على (الحفلات الغنائية التي تقام على مدار السنة , والتي يتراقص فيها الشباب أفراداً وجماعات) ..
أليست المهمة (أمر بالمعروف ونهي عن المنكر) .. ؟؟
إذاً لماذا تنتفخ الأوداج , وتحمر الوجوه غضباً لله في أماكن ولا نرى هذه الوجوه تغضب في أماكن أخرى .. ؟؟
من وجهة نظري أن المسألة لها جانبين :
– جانب سياسي : وأراه يتبدى في الدعم اللامحدود من وزارة الداخلية , ممثلة في الأمير نايف , بإطلاقه يد الهيئة في الكثير من الأماكن , ومهاجمته لكل من ينتقدها في وسائل الاعلام . هذا الدعم في حسابات السياسة لا بد له من مقابل , والمقابل الذي أراه هو السيطرة على (قادة الرأي الديني) – وان كنت أتحفظ على المصطلح – وأقصد هنا الرأي السائد , والجريء دائماً في رفع صوته بغض النظر هل هو على صواب أو على خطأ , وإلا ففي المقابل هناك أصوات أكثر اعتدالاً لكنها في نفس الوقت أكثر جبناً في المشاركة على صعيد الرأي العام لأكثر من سبب , ربما يتم نقاشها في موضوع مستقل.
– جانب فكري : وهو متداخل في بعض أوجهه مع الجانب السياسي , وهذه العقدة المتوارثة من الأجيال التي عطلت المفهوم الصحيح للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , والتي من أسمى أهدافها الاحتساب على (ولي الأمر) , والذي بصلاحه تصلح الرعية وبفساده تفسد الرعية.
والغريب أن العقول التي تستحضر قول الامام أحمد بن حنبل (لو أن لي دعوة مستجابة لجعلتها للسلطان) , لا تستحضر في نفس المقام وقوف الامام في وجه الظلم وحده , حتى وإن كان الداعم الأقوى لهذا الظلم هو هذا السلطان. هذه المعضلة في الفكر الاسلامي ليست وليدة هذا العصر بل هي متوارثة من عصور الجور والاستبداد والملك الجبري التي توالت على الأمة الاسلامية بعد عصر الخلافة الراشدة , وما دام الرأي المعتدل لا يجاهر بآرائه في العلن فسيبقى الرأي المتشدد هو المسيطر على مقاليد الأمور طالما أنه يدعم وبشكل لا محدود من الجانب السياسي.
يبقى أن نقول أن المجتمع منقسم حول (الهيئة) إلى ثلاثة أقسام :
– قسم يرى بأن لها الحق في كل ما تعمل وأنها تقوم بشيء عظيم تستحق أن تشكر عليه , وهذا القسم غالباً ما يرفض أي انتقاد للهيئة , بصفتها الذائد الأكبر عن أعراض الناس .
– قسم يرى بأن الهيئة كبقية أجهزة الدولة الأخرى , لها سلبياتها ولها ايجابياتها ولا ينبغي أن تحمل الأخطاء فوق ما تحتمل , وهذا القسم غالباً ما يرى الأخطاء على أنها تصرفات شخصية من بعض المنتمين للهيئة , ولا ينبغي أن يعمم الخطأ وإن تكرر ..
– قسم يهاجم الهيئة , ولا يؤمن بوجودها مطلقاً بسبب السلبيات التي يدخل الاعلام في تضخيمها أحياناً , وهذا القسم يوصف كل من يرى برأيه بأنه (علماني) و (ليبرالي) ولا يريد الخير للأمة , وربما يوصف بأنه ممن يريد الفساد في الأرض.
أنا أرى بأن الهيئة بشكلها الحالي منفرة عن الاسلام , وأفقدت الكثير من الشباب الثقة بأنهم ربما يكون فيهم شيء من الخير والصلاح , فالملاحقة في المجمعات التجارية , والمنتزهات , والشواطيء , والأسواق توهم الشاب بأن الزلة منتظرة منه , وبأنه لا يمكن أن يترك بلا مراقبة وإلا عاث في الأرض فساداً. هذه الملاحقة أجهزت على (الوازع الداخلي) لكثير من الشباب , وكما يقولون “كثرة المساس تذهب الاحساس”.
غياب (النظام الصارم) ربما أحد مسببات وجود الهيئة , ولو كان هناك نظام واضح , وعادل في تطبيقه على الجميع , وصارم لا يقبل الجدال لربما ما احتجنا لأفراد يلاحقون شبابنا في كل مكان , ولربما كف الجدل حول (الهيئة) , واتجهت العقول للتفكير في كيفية الارتقاء بالبلد سياسياً واجتماعياً واقتصادياً .. وهذا ربما ما لا يريده بعض المستفيدين والمتنفذين 🙂